كتاب مفتوح الى المدير الإقليمي للبنك الدولي في المشرق

 

هل استجابة البنك الدولي للكساد المتعمد في لبنان، هي استجابة ملائمة؟

 

حضرة السيد ساروج كومار جا

 

هذا كتابنا اليكم بصفتنا تجمعا لخبراء في الحماية الاجتماعية، في ما يتعلق بإتفاقية القرض الأخيرة المخصصة لبرنامج شبكات الأمان الطارئ في لبنان ESSN.  

 

اصدر البنك الدولي في خريف 2020 تقرير الراصد الاقتصادي للبنان، اعلن فيه بشكل صريح ان الازمة الحالية التي يمر فيها لبنان هي "ازمة كساد متعمدة تؤدي الى نتائج سلبية غير مسبوقة على الرأسمال البشري، والاستقرار، والازدهار في لبنان". كما ان البنك الدولي يتشارك الرأي مع منظمات دولية أخرى في تسليط الضوء على مشكلات الحوكمة والفساد باعتباره من مسببات الفشل السياسي والاقتصادي وفشل الدولة في لبنان، ووجه الاتهام مباشرة الى "النخبة" الحاكمة بالمسؤولية عن ذلك. 

ان الممارسة المستمرة الفعلية "للنخبة" الحاكمة المنعدمة الكفاءة قد استباحت المؤسسات واستخدمت مؤسسات الدولة والقوانين وآليات صنع السياسات بهدف وحيد هو توزيع الريع والمنافع وتقاسم الغنائم. ان هذا الاختلال المزمن في اشتغال الدولة وانعدام كفاءة النخبة الحاكمة، أدت في نهاية المطاف الى الازمة المركبة التي يشهدها لبنان في مجالات الاقتصاد الكلي والمالية، والنقد، والصحة...الخ. وقد كشف انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 الغطاء عن الدور الضارّ وانعدام كفاءة النخبة الحاكمة في لبنان امام المجتمع الدولي، كما كشف قصور النظام القائم حاليا. .

في هذا السياق، فإننا – تجمع خبراء الحماية الاجتماعية – نستغرب ان يوكل البنك الى هذه النخبة نفسها، مسؤولة تنفيذ اتفاقية القرض. وغني عن البيان، ان برنامج شبكات الأمان الطارئ في لبنان سوف يمدد من قدرة هذه النخبة على الاستمرار في سياساتها وفي نهجها الذي أقحم الدولة والمجتمع والاقتصاد بشكل متعمد في دوامة الانهيار. ومن شان ذلك ان يعقد مسار التغيير، ويعيق الشروع في مسار الشروع بالإصلاحات الهيكلية الملحة.

 

في سياق من هذا النوع، يجب تقييم ملاءمة وفعالية برنامج شبكات الأمان الاجتماعي الطارئ في ضوء الأوضاع والتطورات الاجتماعية والسياسية. ان الترتيبات الراهنة للحماية الاجتماعية في لبنان هي هجينة، مخصخصة ومجزأة؛ وهي لا تندرج في اطار استراتيجية اشمل للتنمية الاجتماعية واضحة الأهداف. وهذا الواقع أدى الى قصور كبير في الحماية الاجتماعية للسكان في لبنان أبقي شرائح واسعة من اللبنانيين خارج التغطية، كما انه لم يكن فعالا. وهذا يفسر لجوء المواطنين الى الخدمات التي توفرها جهات غير حكومية، مع ما يعنيه ذلك من احتمال الوقوع في التبعية والزبائنية بما يضعف الروابط المواطنية والتماسك الاجتماعي.

.

لذلك، فإن تجمع خبراء الحماية الاجتماعية، متوافقا مع العديد من أصحاب المصلحة الدوليين والوطنيين، اكد مرارا ان الحل المناسب والمستدام لمكافحة الفقر واللامساواة – اللذين تفاقما كثيرا خلال الازمة الاقتصادية والصحية الأخيرة – هو المسارعة بشكل فوري الى إقامة نظام حماية اجتماعية شامل على أساس منظور الحق، وان أي برنامج او مبادرة للمساعدة الاجتماعية يجب ان تدرج بالضرورة كمكون فرعي لهذا النظام. ونشير أيضا الى البنك الدولي نفسه، في تقرير المرصد الاقتصادي للبنان في خريف 2020، يوصي بضرورة "المصادقة على استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية" بما هي التوصية الأولى للمدى القصير من اجل التخفيف من الفقر والفقر المدقع؛ وان برنامج شبكات الأمان الاجتماعي الطارئ هو عنصر مكمل لهذا الاستراتيجية. الا ان ما يجري حاليا، هو ان هذا البرنامج الطارئ يجري تقديمه بصفته حلا وحيدا لمشكلة الفقر، خلافا للأصوات الوطنية والدولية التي تعترض على تفرد هذا المشروع المنعزل للتعامل مع الازمة الاجتماعية وتوسع الفقر في هذه الظروف.

ان منهجية الاستهداف غير متناسبة مع الأوضاع التي تتميز بالانتشار الواسع للفقر في أي مجتمع وتوقع توسعه، ولا يغير من ذلك التوسع العددي في قاعدة المستفيدين. وقصور هذه المنهجية - لاسيما عندما يكون التنفيذ من خلال إعطاء الموارد لدولة – حكومة من النوع القائم في لبنان، فهذا الامر سوف يؤدي الى تعزيز الممارسات الزبائينية في اختيار المستفيدين، وفي عملية التوزيع، بما يمعن في اضعاف العلاقات المواطنية مع الدولة ومؤسساتها، وتضعف الانتظام المواطني من اجل الحد من ظلم وعدم كفاءة النخبة الحاكمة.

من جهة أخرى، وعمليا، فإن توسيع قاعدة المستفيدين من برنامج استهداف الاسر الأشد فقرا (NPTP) القائم منذ سنوات، تحويلها الى برنامج شبكات الأمان الاجتماعي الطارئ (ESSN)، يغفل تماما تقييم نتائج البرنامج السابق الذي تبين – من خلال تقييمه الرسمي – انه يشكوا من ثغرات كبيرة لجهة التنسيق المؤسسي، والفاعلية، والفعالية، والاستدامة، واخطاء تحديد المستفيدين المؤهلين، كما انه كان يشكو من الشفافية في تحديد المعايير وجمع البيانات وتخزينها، وفي توظيف العاملين الاجتماعيين في المشروع.

بالإضافة الى ذلك، فإن برنامج شبكات الأمان الاجتماعية الطارئ، باقتراحه مساعدات مدرسية وصحية جزئية، انما يساهم في حجب واضعاف المطلب الصحيح والملح لوضع مجانية التعليم للجميع قيد التنفيذ الفعلي، وكذلك توفير التأمين الصحي للجميع. لا بل انه يذهب في الاتجاه المعاكس، اذ انه ينشئ فئة فرعية جديدة من المستفيدين، مسهما في ذلك في المزيد من تجزئة الحماية الاجتماعية في لبنان المجزأة أصلا. كما تجدر الإشارة أيضا الى ان مبالغ المساعدة سوف تدفع للمستفيدين بالليرة اللبنانية وفق سعر هو 6240 ليرة لبنانية مقابل كل دولار من القرض، الامر الذي يعني ان مصرف لبنان سوف يحصل على ما نسبته 30% من قيمة القرض الإجمالية البالغة 246 مليون دولار بدل ذهابها الى المواطنين المستحقين، في حين ان لبنان – أي المواطنين اللبنانيين – سوف يسددون كامل قيمة القرض وفوائده بالدولار.  

 

لا مجال للشك في ان تحقيق نتائج افضل في مكافحة الفقر يتم من خلال التوجه نحو إقامة نظام شامل للحماية الاجتماعية في لبنان، بما هو ضرورة وإمكانية راهنة وواقعية. ان العقبة الأكبر امام ذلك، وامام وضع سياسات تساهم في مكافحة الفقر واللامساواة، تكمن في غياب الإرادة السياسية لدى النخب الحاكمة التي ترفض التخلي عن المصالح والمنافع الخاصة التي تتمتع بها. وفي حين المطلوب بإلحاح الشروع في إصلاحات هيكلية فورية لضمان استفادة المستحقين من أي سياسة او برنامج اجتماعي بشكل شفاف وفعال، فإن قرض البنك الدولي الراهن القائم على منطق توزيعي بحت سوف يسهم في توسيع قاعدة الزبائنية، عدا عن أن التمويل هو من خلال قرض دولي بمبلغ كبير يضاف الى عبء الديون اللبناني الكبير التي سوف يدفعها المواطن.

أخيرا، ان التصدي للأسباب الهيكلية لعملية الافقار، وديناميات اللامساواة المتوسع في المجتمع اللبناني، لا بد ان تكن توجها ثابتا ومستمرا في السياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر، حتى لو انخفضت نسبة الفقر في لحظة ما. لذلك، فأننا نطالبكم ان تدعموا الجهود الوطنية القائمة حاليا في لبنان من اجل انشاء نظام شامل للحماية الاجتماعية اليوم، وهو ما نعتقد انه خطوة هام نحو الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، كما انه الخطوة الضرورية لتحرير السياسات الاجتماعية من الممارسات الراسخة للعلاقات الولاء الزبائني، وإعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة وعلاقات المواطنة. ونحن بدورنا نحث البنك الدولي على دعم الجهود المبذولة حاليا من منظمات دولية ووطنية من اجل إقامة نظام شامل للحماية الاجتماعية اليوم، وهو ما نرى انه خطوة هامة باتجاه الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، وخطة أولى لتحرير السياسات الاجتماعية من ممارسات وعلاقات الزبائنية، واستعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وهذه حاجة ملحة.  

 

اننا ندعو البنك الدولي الى تأييد ودعم مسار إقامة نظام شامل للحماية الاجتماعية، والامتناع عن اقتراح برامج وتدخلات تسمح بتحويل المساعدات الاجتماعية الى أداة بيد النخب الفاسدة، وبما يساعد على بناء دولة ومجتمع جديدين. ان وجود نظام شامل للحماية الاجتماعية هو أيضا شرط ضروري لفعالية نظام المساعدة الاجتماعية الطارئ الذي لا يجب بأي حال ان يكون برنامجا معزولا قائما بذاته بمعزل عن النظام الشامل للحماية الاجتماعية، كما يجب ان نتأكد من ان برنامج المساعدة هذا تتم ادارته بشكل دقيق جدا بشفافية مطلقة، وان يقترن بآليات رقابة ومحاسبة صارمة تلافيا لإعادة انتاج الوضعية السابقة نفسها.

 

Publisher: 
N/A
آخر تاريخ التحديث: 
02/02/2021 - 11:05ص
تاريخ النشر: 
الخميس, 21 يناير 2021
قطاع(ات) التدخل: 
المواطنة, تنمية, الحكم الرشيد والشفافية, حقوق الإنسان والحماية, تمويل إنساني وتنموي
النطاق الجغرافي: 
National
الدول: 
Lebanon
Signatories: 

Ziad Abdel Samad

Marie-Noelle Abi Yaghi

Zahra Bazzi

Lea Bou Khater

Gilbert Doumit

Fadel Fakih

Lara Feghaly

Nabil Hassan

Adib Nehmeh

Abla Sibai

Sami Zoughaib

randomness