بعد مرور خمس سنوات على القمة العالمية للعمل الإنساني الجهات الفاعلة الوطنية والمحلية: أصوات في قفر العمل الإنساني

جمعت القمة العالمية للعمل الإنساني التي عُقدت في أيار/مايو 2016، 9 آلاف مشاركة ومشارك قدِموا من 180 دولة من الأعضاء، بما في ذلك 55 من رؤساء الدول والحكومات، و700 منظمة غير حكومية ومنظمة مجتمع مدني؛ منها 350 منظمة محلية و250 دولية، إضافة إلى 350 ممثلاً من القطاع الخاص، و130 ممثلاً من وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها وغيرهم من الجهات المعنية، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية، والقادة الدينيون، ووسائل الإعلام. وجاءت القمة تتويجاً لعملية طويلة شاركت فيها العديد من الجهات المعنية، واستغرقت قرابة العامين كما كلّفت ملايين الدولارات. 

وقد شارك عدد أكبر بكثير من منظمات المجتمع المدني المحلية، والوطنية في عملية المشاورات الإقليمية التي أقيمت قبل انعقاد القمة. وعلى الصعيد العالمي، فالعدد الأكبر من المنظمات المنخرطة في العمل الإنساني، والتنمية، وبناء السلام، والحد من مخاطر الكوارث والتغير المناخي هي من تلك المنظمات الوطنية المحلية؛ إذ تعمل ضمن قضايا متنوعة كالعنف القائم على النوع الاجتماعي، والمساواة بين الجنسين، والتعليم، والحماية، والتمكين الاقتصادي، والتغير المناخي، والحد من الفقر، والتوعية الصحية وما إلى ذلك. ونظراً لأن جميعها من تلك العاملة في مجتمعاتها الخاصة، فلا بد من امتلاكها منظوراً طويل الأمد و"مترابطاً" (ما لم -وإلى أن- تُجبرهم قوى تمويل المساعدات الدولية على تبني منظور قصير الأمد للمشاريع).

ومع ذلك، وبعد مرور خمسة أعوام على القمة العالمية للعمل الإنساني مع التزامها الراسخ بإشراك الجهات الفاعلة الوطنية والمحلية "في روح المشاركة" وبصرف النظر عن الحجم والوزن المالي، فما تزال هذه الفئة من الجهات هي الأقل تمثيلاً في نظام العمل الإنساني، وعمليات اتخاذ القرار على المستوى المحلي، والوطني، والإقليمي، والدولي.

دار الكثير من الحديث حول الشمول والتنوع بشكل عام؛ إذ تُعنى الصفقة الكبرى بحد ذاتها بـ "زيادة نطاق الشركاء الراغبين في المساهمة وتنوعهم".  إلا أن هناك تردداً ملحوظاً في إتاحة المجال لتحقيق الشمول والمشاركة الهادفين من الجهات الفاعلة المحلية، بما في ذلك الفئات السكانية المتضررة؛ إذ تحتفظ الوكالات الدولية بسلطة تحديد المشاركين، وعدد مرات المشاركة وزمنها، ولا يكون التمثيل الذي تحصل عليه تلك الجهات المحلية في اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، على سبيل المثال، إلا من خلال شبكات المنظمات غير الحكومية الدولية. ويشتمل النظام الهرمي على أعضاء دائمين من وكالات الأمم المتحدة علاوة على مدعوين دائمين يجري اختيارهم جميعاً من الوكالات والشبكات الدولية، ومن مكتب المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للنازحين داخلياً. وقد كان -وما يزال- من الصعب تحقيق تواجد أكبر لمنظمات المجتمع المدني الوطنية والمحلية، على قدم المساواة، ضمن الفرق القُطرية للعمل الإنساني أو حتى مسار عمل الصفقة الكبرى بشأن محلية العمل الإنساني على سبيل المثال.

ويتمثل العذر الأكثر استخداماً لتبرير هذا الوضع في وجود العديد من الجهات الفاعلة المحلية، وشبكات منظمات المجتمع المدني الوطنية والمحلية كذلك، بحيث لا يمكن للجهات الفاعلة الدولية اختيار ممثل شرعي من بينها، ولكن ينبغي ألا تقرر الجهات الفاعلة الدولية بالنيابة عن تلك المحلية. وقد كان هذا السلوك القائم على السلطة الأبوية شائعاً للغاية في السابق غير أنه لم يعد يناسب لا الحاضر أو المستقبل، كما يجب ألا يشكل شرط توقيع الجهة رسمياً على بنود الصفقة الكبرى معياراً أساسياً للانضمام إليها. ويؤثر نظام المساعدات الدولية على أعداد كبيرة من منظمات المجتمع المدني الوطنية والمحلية حول العالم، لذا وباعتبارها من الجهات المعنية المتأثرة، فإن لها حقاً جوهرياً في التعبير عن رأيها. أليس هذا ما تعظُ به الوكالات الدولية وتروّج له في المجتمعات التي تتدخل فيها؟

ومع ذلك، وعندما يُسمح لمنظمات المجتمع المدني الوطنية/المحلية بالجلوس إلى ذات الطاولة التي تجلس إليها الوكالات المتعددة، والمشاركة على سبيل المثال أيضاً في اللجان الاستشارية للصناديق القُطرية المشتركة، فإنها تكتشف في معظم الوقت قدرتها الضئيلة على التأثير فعلاً في صنع القرارات؛ إذ يظل صوتها "صوتاً وحيداً في القفر." وتتمثل أسباب هذا الوضع المختلفة في: 

  • أن الجهات الفاعلة الدولية قد تفوقها عدداً أو قوة (على الرغم من جميع مقترحاتها التي تتحدث عن "تمكين" مختلف أشكال الفئات الاجتماعية المحلية). 
  • أن الخطابات ذات المصطلحات القادمة من دول الشمال العالمي، لا تتناول الطريقة التي يفكر بها الممارسون الوطنيون والمحليون ويتواصلون من خلالها كذلك، كما يبدو أن الطاقة، والوقت والأموال المخصصين للتوافق مع طريقة عمل قطاع الإغاثة الدولية تشتت انتباه هؤلاء الممارسين بشكل كبير عما يجب فعله حقاً في عالم أكثر "واقعية".
  • أن الأخذ بملاحظات الجهات الفاعلة الوطنية والمحلية، أو اقتراحاتها، أو مساور قلقها في محاضر الاجتماع يعتمد بشكل كبير على حامل القلم، وذلك الشخص الآخر الذي يوافق على النسخة النهائية من هذا الاجتماع. 

  • أن نظام المساعدات الدولية لم يعد قائماً على الإنسانية والتضامن المشتركين؛ إذ يلعب كل من الرتبة والمركز أو الحالة دوراً قوياً في الاختيار.

 

 ويُصور الرسم التوضيحي التالي هرم المركز أو الحالة في النظام الدولي:

 

.

 وتُمنح القوة الأعظم في أنظمة المساعدات الدولية رتبة أعلى ما يعني المزيد من الموثوقية المفترضة تالياً، ويتجلى ذلك بعدة طرق. وفيما يلي ثلاثة أمثلة يمكن ملاحظتها بسهولة فيما يتعلق بالمركز أو الحالة: 

  • ثمة شك جوهري يتعلق بنزاهة الأفراد العاملين في منظمات المجتمع المدني، أو المنظمات غير الحكومية المحلية أو المنظمات المجتمعية المحلية وكفاءتهم المهنية. في المقابل، عندما ينضم هؤلاء الأفراد إلى طاقم موظفي إحدى الوكالات الدولية، فهم يكتسبون فجأة وبأعجوبة النزاهة والكفاءات المهنية التي افتقروا إليها سابقاً. كما يترقى المئات، بل الآلاف، من موظفي المنظمات الوطنية/المحلية بسرعة في اكتساب هذه الصفات وذلك من خلال الزيادة الكبيرة في حالات الطوارئ من المستوى الثالث. 

  • بفضل هذه الترقية، يلاحظ الشخص ذاته الذي أضحى الآن موظفاً في وكالة دولية، أنه وعند وجوده في اجتماع بين الوكالات وطرحه نفس النقطة التي أثارها إبّان عمله لدى منظمة مجتمعية أو منظمة غير حكومية محلية/وطنية سابقاً، فإنه الآن يحظى بالمزيد من الاهتمام من حيث الاستماع لمداخلاته كما تؤخذ اقتراحاته على محمل الجد، فالعمل لدى وكالة دولية يمنح الفرد، وعلى الفور، موثوقية أعلى واستعداداً أكبر من الآخرين للاستماع إلى ما يقوله. (ومن الواضح تمتّع الموظف الدولي في الوكالة الدولية ذاتها بمركز أعلى ما يعني موثوقية متأصلة أعلى أيضاً.)

ومع ذلك، عندما يعود موظف وطني من العاملين في إحدى الوكالات الدولية لاحقاً للعمل مع وكالة محلية أو يؤسس منظمته غير الحكومية أو منظمة المجتمع المدني الخاصة به، فإنه يفقد تلقائياً الكثير من تلك الموثوقية المتأصلة، ليواجه مرة أخرى ظلال الشك العام المُلقاة على الوكالات المحلية. 

ولا يعد هذا ضربًا من خيال، إذ ثمة الكثير ممن مروا بمثل هذه التجربة وشهدوها. وعندما يحصل ذلك ضمن سياق يشهد تدويلاً قوياً، أي تدفق الوكالات الدولية وهيمنتها على صنع القرار الإستراتيجي والتشغيلي، فإن من شأن هذا أيضاً "التقليص من مساحة" منظمات المجتمع المدني الوطنية والمحلية. 

وبشكل العام، فليست الأمم المتحدة حليفاً في هذا، إذ يتزايد نقل الوظائف والسلطات إلى الهياكل المدارة من الأمم المتحدة. وفي حين تضطلع الأمم المتحدة ووكالاتها بدور من شأنه إضافة قيمة كبيرة، إلا أنها غالباً ما تكون مدفوعة بمصالحها المؤسسية (نموها)، و/أو أجندات الدول الأعضاء. فهي لا تتصرف بانتظام بصفتها وكالات تعمل "لصالح" الناس و"بواسطتهم"، أو كعوامل تمكين منهجية للمبادرات التطوعية التي يقودها الأفراد. 

فلنواجه الأمر إذاً: إن هياكل الحوكمة في قطاع الإغاثة الدولي هي أبعد ما تكون عن الشمول، والتنوع والديمقراطية؛ إذ تشجع على الثقافة الفردية بدلاً من التنوع الحيوي. 

 

المجيء من القفر

مع التفاوض على الصفقة الكبرى الجديدة 2.0، فالفرصة قائمة لتغيير عدم التكافؤ الموجود في هيكلة المساعدات الإنسانية. 

  • يدور نقاش حالياً حول توفير مقعد واحد للجهات الفاعلة المحلية ضمن فريق تيسير الصفقة الكبرى، وبما أنه لم تجرِ عملية تشاور حول هذا الأمر فإنه، ومجدداً، لا بد عملٌ رمزي. الأمر الصائب الذي يتوجب فعله هنا هو التكافؤ بين عدد ممثلي الجهات الفاعلة المحلية وذلك التابع للجهات الفاعلة الدولية والقطاعات الممثلة؛ ومن شأن هذا الأمر ضمان ألا تكون الجهات الفاعلة المحلية في عمليات صنع القرار هي الأقل عدداً. ولا يختلف هذا عن إصرار وكالات المساعدات الدولية على المساواة بين الجنسين، أي تواجد أعداد متكافئة إلى حد ما من الرجال والنساء على ذات الطاولة!
  • طوّر فريق التيسير مقترحاً حول "تجمّعات" تشمل الأطراف الموقعة المعنية وذات الصلة -أي "تحالفات الراغبين"- والتي توافق على مراقبة التقدم المحرز فيما يتعلق بالتزامات محددة على المستوى السياسي مع دفعه وتعزيزه. وسيضطلع "أبطال" نصبوا أنفسهم ذاتياً بإجراءات محددة من إطار عمل الصفقة الكبرى 2.0، فيما يقومون بشكل استباقي ومستقل بتعيين جهات معنية رئيسية أخرى. ولا نرى في هذا النوع من مفهوم التجمعات "الحصرية"، "تحالفات الراغبين"، عملية هيكلية واعدة من حيث الوفاء بالالتزامات؛ إذ يخلق صوامع أكثر انعزالاً من الهيكل الحالي ويتعارض مع الالتزام بالتنوع، والشمول والمساواة. يتعين علينا المضي قُدماً نحو هيكل يوفر المزيد من الدافع والمساءلة لتحقيق الأهداف مع توقع أن تشكل جميع الأطراف الموقعة جزءاً من "تحالفات الراغبين" هذه. وينبغي تأسيس آلية لتمكين الجهات الفاعلة المحلية من إشراك الجهات المانحة الموقعة والقادة السياسيين في نقاشات حول القضايا، والمخاوف والتحديات التي قد تستدعي اتخاذ إجراءات سياسية، فضلاً عن مناقشة الممارسات الجيدة، والدراسات والتحليلات التي يمكن لها أن تشكل أساساً لاتخاذ إجراءات سياسية تعزّز من قدرة جميع الأطراف الموقعة على تحقيق التزامات الصفقة الكبرى وأهدافها. 

  • جرى تعيين شخصية بارزة جديدة للصفقة الكبرى على أمل حشد مشاركة سياسية أقوى تسعى لوضع التزامات الصفقة قيد التنفيذ، وتتمتع هذه الشخصية بخلفية في السياسة الغربية والأمم المتحدة كما عملت في إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية الكبيرة. ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الشخصية البارزة ستتواصل مع الجهات الفاعلة المحلية، إضافة إلى التوقيت والكيفية التي ستؤدي ذلك بها من أجل فهم التحديات التي تواجهها، والأمور التي تجعل من الحوار عملية تسير في اتجاهين. وربما يحتاج ما يُسمى "الجنوب العالمي" إلى تعيين شخصيته (شخصياته) البارزة الخاصة به للحصول على فرصة متكافئة؟

  • وما تزال جميع مسارات عمل الصفقة الكبرى تحت هيمنة الجهات الفاعلة الدولية بصفتها شريكة في التنظيم؛ والدور الوحيد الذي يمكن للجهات الفاعلة المحلية الاضطلاع به هو كونها عضوة في مسارات العمل أو الفرق الفرعية. ويعمل بعض الشركاء في التنظيم كمشرفين على مسار العمل الذين هم مسؤولون عنه، إلا أن عملهم يفتقر إلى القيم الديمقراطية والروح التي تميّز محلية العمل الإنساني. ومع ذلك، وفي غياب عملية التقييم، فهم مستمرون في المشاركة في التنظيم عاماً تلو الآخر، وبذا فقد أصبحوا يشكلون عائقاً أمام العملية التي يُفترض بهم تسهيلها.

لقد التزمت الجهات الفاعلة في مجال المعونة الدولية بـ "تعزيز القدرات المحلية والوطنية بدلاً من استبدالها"، ولا يمكن لهذا أن يحصل ما لم تكن هذه الجهات مستعدة للتراجع عن نطاق هيمنتها. وفي الوقت ذاته، يتعين على الجهات الفاعلة المحلية والوطنية التدخل وزيادة مستوى مشاركتها؛ فهي بحاجة إلى تنظيم عملياتها الداخلية لتحديد من ينبغي عليه المشاركة في هذه المنتديات والمنصات بالنيابة عنها، وما هو المطلوب من هؤلاء المشاركين. وينبغي أن يأتي هؤلاء الأفراد من منظمات مستقلة أو وطنية أو محلية لا تدين بالفضل، مادياً أو بأي شكل آخر، لمنظمات المعونة الدولية، وهم بحاجة أيضاً إلى اكتساب نطاق عريض من الثقة من قبل الجهات الفاعلة المحلية والوطنية مع الحفاظ عليها. وعليهم التواصل بانتظام مع العديد من الجهات الفاعلة المحلية والوطنية، إذ يعد هذا الأمر غاية في السهولة من الناحية التقنية اليوم. كما ينبغي الإعلان عن الأجندات المقبلة، والتشاور مسبقاً وإعداد التقارير لاحقاً. وبما أن معظم المنظمات الوطنية والمحلية لا تحصل على التمويل الجيد الذي تمنحه الجهات المانحة للوكالات الدولية، فقد لا تتمكن منظمات المشاركين من تزويدهم بالوقت والدعم العملي الذي قد يحتاجونه لفعل ذلك. وقد تكون هناك حاجة إلى الحصول على دعم الشبكة الأوسع وربما بعض التمويل الدولي أيضاً. 

لقد حان الوقت لأن يصبح قطاع المساعدات الدولية بشكل عام، وقطاع الإغاثة بشكل خاص، أكثر شمولاً وتنوعاً وديمقراطية؛ إذ تعتمد مصداقية الصفقة الكبرى "الجديدة" على ذلك.

 

آخر تاريخ التحديث: 
10/06/2021 - 10:32ص
تاريخ النشر: 
الخميس, 3 يونيو 2021
قطاع(ات) التدخل: 
تنمية
النطاق الجغرافي: 
International
الدول: 
Afghanistan
Bangladesh
Cambodia
Congo (Brazzaville)
Haiti
India
Jordan
Lebanon
Liberia
Malawi
Nigeria
Pakistan
Philippines
South Sudan
Switzerland
Zambia
Signatories: 

Action For Development

Arab Renaissance for Democracy and Development (ARDD)

African Woman and Youth Action for Development (AWYAD)

Coastal Association for Social Transformation Trust (COAST)

Community Healthcare Initiative

Community World Service

EcoWeb

Fondation Communautaire Haïtienne - ESPWA

Global Mentoring Initiative (GMI)

Humanitarian Aid International (HAI)

IDEA

HRSS

Jonaf

KCI

Lebanon Support

MANEPO

NEADS

REBHI

PRDS

Union Aid

Réseau PRODDES

Zambia Social Forum

North-East Affected Area Development Society (NEADS)