عكار، منطقة طيّ النسيان؟

تولي المفكرة القانونية، منذ تأسيسها، اهتماماً خاصاً بالمناطق اللبنانية (أي المناطق الواقعة خارج نطاق بيروت الكبرى والمدن الساحلية المحيطة بها). من الناحية الصحافية، تحاول “المفكرة” بشكل تدريجي تغطية أهم الحراكات في المناطق التي ترتبط بالقضايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية، مع التركيز على مطالب السكان الذين تم تهميشهم على مدى عقود من الزمن من قبل القوى المركزية للنظام السياسي والاقتصادي والإعلامي اللبناني. من الناحية القانونية، سمح لنا التقاضي الاستراتيجي بنقل قضايا اجتماعية رئيسية من المناطق المهمّشة إلى المحاكم اللبنانية التي استُخدِمت كمنبر لتسليط الضوء على هذه القضايا، بما في ذلك قضايا تتعلق بالأملاك العامة على شاطئ الميناء شمالاً، والتلوث المسبّب للسرطان نتيجة الكسارات المنتشرة في منطقة الكورة، بالإضافة إلى قضايا أخرى أصبحت قضايا وطنية من خلال الإجراءات والانتصارات القانونية. وسرعان ما تبع ذلك إجراء أبحاث قانونية واجتماعية واقتصادية معمّقة في محاولة لفهم علاقات القوّة والاحتياجات التنموية والممارسات والاستراتيجيات المحلية في أكثر من منطقة (على سبيل المثال، بسري في الشوف أو البقاع الشمالي). وفيما تُرجمت جميع هذه الجهود التراكمية في العديد من المقالات والتقارير المطبوعة والإلكترونية منذ عام 2011، فإنّ محاولاتنا الأولى للتركيز بشكل أكثر شمولاً على منطقة واحدة قد تحقّقت مع إصدار ملف خاص بقضاء الهرمل الذي تم نشره في عام 2021، والذي شمل مجموعة متنوعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعلقة بهذه المنطقة المهملة من قبل الدولة اللبنانية منذ فترة طويلة. اليوم، وبناءً على هذه التجربة المتنامية في معالجة القضايا المتعلقة بالمناطق اللبنانية، تودّ المفكرة القانونية التركيز على منطقة لبنانية أخرى، مهمّشة هي الأخرى من قبل النخب اللبنانية المركزية، من المسؤولين الحكوميين إلى الشركات الخاصة إلى المؤسسات التعليمية والإنمائية أو الباحثين وهي منطقة عكار.

ما هي الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية لعكار اليوم في عام 2022؟ ما هي الآثار المترتبة على أزمة اللاجئين التي لا تزال مستمرة والأزمة الاقتصادية الراهنة على هذه المنطقة وسكانها المهمشين بالأصل؟ ما هي حال علاقاتها مع جارتها سوريا وباقي المناطق اللبنانية، بخاصّة في الشمال أو البقاع، ومع الوسط (بيروت)؟ ما هي القضايا الرئيسية التي تهمّ السكان المحليين اليوم، من مواطنين ومقيمين، وكيف تتم معالجتها؟ ما هي الموارد التي تتمتع بها المنطقة، وما هي أهم التحديات التنموية التي تواجهها، وكيف يمكن التغلب على هذه التحديات في ظل الانهيار الحالي للمؤسسات اللبنانية؟ كيف تطوّرت علاقات القوّة في العقود الماضية (جيلسينان، 1996) حول القضايا المركزية مثل السلطة والملكية والأسرة والعمل والجهات الفاعلة المهمة مثل النساء والمزارعين والعمال أو الزعماء؟ ما هي الديناميات القائمة حالياً بين الزعامات التقليدية والأحزاب السياسية المهيمنة والحركات السياسية الجديدة التي ظهرت منذ 2015 أو 2019 أو حتى قبل ذلك؟ كيف يساعدنا التاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقة عكار على فهم الوضع الحالي بشكل أفضل؟ هذه الأسئلة، وغيرها من الأسئلة، ستشكّل المواضيع الرئيسية للعدد الخاص بمحافظة عكار والذي تنوي المفكرة القانونية نشره في عام 2023.

تحقيقاً لهذه الغاية، تدعو المفكرة القانونية الأكاديميين والباحثين والناشطين والخبراء والطلاب والمهنيين من منطقة عكار أو العاملين فيها أو في مجالات تتصل بها والراغبين في المساهمة في هذا الملف الخاص إلى إرسال ملخص قصير (250-500 كلمة باللغة العربية أو الانكليزية) قبل 15 تشرين الثاني 2022، يشرحون فيه الموضوع الذي يرغبون في تناوله ومدى ملاءمته لهذا الملف الشامل عن عكار، فضلاً عن المنهجية/المصادر التي سيستخدمونها لكتابته. وفي حال اختيار الموضوع المقترح للنشر، سيقوم المؤلّفون بكتابة بحث قصير إلى متوسط (2000-4000 كلمة)، يخضع للمراجعة والتعليق من قبل اللجنة العلمية في المفكرة القانونية، ويتم نشره خلال عام 2023 في العدد الخاص الإلكتروني و/أو الورقي. ستحاول المفكرة القانونية نشر هذا الملف على نطاق واسع، ليصبح مرجعاً ضرورياً عن عكار، مما يمهد الطريق لجهود فكرية وسياسية مستقبلية من أجل منح هذه المنطقة الاهتمام الذي تستحقه والرفاهية التي تحتاجها بشكل عاجل.