الزراعة اللبنانية فقدت سندًا أساسيًا: من يعوّض غياب USAID؟

الصورة لـ كارولين نجار

"على مدى عشر السنوات السابقة، استثمرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أكثر من 80 مليون دولار في قطاع الزراعة في لبنان. وقد أدى هذا الدعم إلى زيادة مدخول أكثر من 40 ألف أسرة ريفية، والاستفادة من أكثر من 40 مليون دولار من استثمارات القطاع الخاص، وتوليد أكثر من 170 مليون دولار من المبيعات على مستوى الشركات والمزارع، بالإضافة إلى توفير خدمات تطوير الأعمال لأكثر من 35 ألف مؤسسة وأسرة زراعية، كما استفادت أكثر من 19 ألف أسرة من برامج الأمن الغذائي".

هذا ما يورده موقع السفارة الأميركية في 16 كانون الثاني/يناير 2025 بخصوص دعم لبنان، من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أي قبل أيام قليلة من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجميد كل المساعدات الخارجية، خاصةً تلك التي تقوم بها USAID في معظم دول العالم التي تعمل بها، ولبنان جزء منها.

يشير موقع foreignassistance الرسمي، أنه في عام 2024 فقط، تم دعم لبنان بـ 220 مليون دولار في مختلف القطاعات، 2.25 مليون دولار ذهبت لدعم قطاع الزراعة مباشرة، فيما تم دعم قطاعات تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الزراعة، مثل إمدادات المياه والصرف الصحي، في العام نفسه بمبلغ 10.35 مليون دولار.

في حال جرى إيقاف عمل الوكالة في معظم بلدان العالم بشكل مطول، والاتجاه إلى إقفالها، سيخسر آلاف الموظفون حول العالم عملهم، وهذا ينطبق في لبنان أيضًا حيث أشارت تقارير صحافية أن 2000 موظف يعملون مباشرة في مشاريع الوكالة سيتأثرون حتمًا بقرار التجميد، ولا ينحصر هذا بهم، بل سيطول التأثير أيضًا آلاف العائلات التي تستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر من مشاريع الوكالة.

كانت الوكالة الأميركية للتنمية تعمل في لبنان في مجالات عدة، منها التعليم وتقديم المساعدات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، ومشاريع تنموية عديدة، وكان قطاع الزراعة قطاع وهدف أساسي للوكالة، من خلال تقديم تدريبات للمزارعين، وإنشاء برك مياه لتجميع مياه الشتاء، وتوزيع الأعلاف والبذور، وبناء المعامل لتحضير "المونة" والصناعات الغذائية التحويلية، وإمكانية تصنيع المواد الأولية ، فما هو الأثر الذي سيتركه توقف عمل الوكالة في لبنان على القطاع الزراعي والمزارعين في لبنان؟

يقول رئيس بلدية القرعون،  جنوبي سهل البقاع، يحي ضاهر: "قامت الوكالة الأميركية للتنمية  بتمويل مشروع لإنتاج السماد العضوي ضمن مشروع "دور" التي كانت USAID تقيمه للبلديات، وقد بدأ المشروع منذ عام ونصف، أولًا تم الإجتماع بلجان البلدة والبلدية ودراسة الوضع الراهن للنفايات، وبعدها انطلق المشروع في منطقة القرعون ضمن مراحل، ولكنه لم ينفذ بالكامل، كان يلزمنا حوالي شهر ونصف لإكمال المشروع، إذ لم يبق منه إلا الشق الميكانيكي، قبل أن يتوقف، بعد الإجراءات الأخيرة من قبل الحكومة الأميركية، ونحن في حالة انتظار، فلا يمكننا أن نكمل المشروع بأنفسنا، ولم نستطع إنتاج  السماد عضوي إلى اليوم بسبب عدم انتهاء مراحل المشروع".

سيكون الأثر الإيجابي كبير للمشروع إذا استكمل تنفيذه، بيئيًا وزراعيًا، فهو يخفف تكاليف في المطمر الصحي في جب جنين، حيث تدفع كلفة معالجة النفايات بحسب الوزن وكان المشروع سيقلل من حجم النفايات التي ترسل إلى المطمر، كما يوفر إيرادات للبلدية، عبر بيع السماد العضوي للمزارعين، وله أيضًا جانب صحي ومهم للزراعة، وبديل عن استعمال المواد الكيميائية.

يلفت ضاهر إلى انتشار التأثير السلبي لما حصل: "لسنا فقط من تأثرنا بوقف التمويل في المنطقة، بل كان يوجد مشروع صرف صحي في بلدة عيتنيت التي تقع في البقاع الغربي قرب بلدة وبحيرة القرعون، كذلك تم إيقافه، وهم في حالة انتظار أيضًا".

عادة ما تتركز مشاريع USAID على القطاعات التي تعاني من مشاكل، والتي غالبًا تكون مهملة أو فيها تقصير من قبل الدولة، فتأتي هذه المشاريع، وغيرها من المنظمات، لمحاولة سد هذه الفجوة عبر دراسات وتنفيذ مشاريع، تخدم وتساعد كل منطقة، وتساعد الأفراد عبر دعم مشاريع صغير ومتوسطة الحجم، خاصة بعد الأزمة المالية الحادة التي ضربت لبنان عام 2019، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح، فمنذ عام 2018، أي عندما بدأت تتمظهر ملامح الأزمة الاقتصادية، زادت قيمة مساعدات وكالة التنمية بنحو 50% عن الأعوام السابقة، وتخطت في كل عام منذ ما بعد 2018 مبلغ 200 مليون دولار.

وفي هذا السياق، تقول أمينة سر الجمعية التعاونية النسائية بسكنتا (قضاء المتن، شمال بيروت) كارولين نجار: "عملنا مع وكالة التنمية الأميركية في عدة مشاريع لتمكين تعاونية بسكنتا من تصنيع الكثير من المونة والمواد الغذائية، وتمكين المرأة ومساعدتها في الإنتاج. لقد قمنا بمشروع دبس التفاح، إذ كنا نشتري من المزارعين التفاح الذي لا يتم بيعه في السوق، بسبب صغر حجمه، أو لأسباب أخرى تصعب تصريفه، لنقوم بتصنيع دبس التفاح، هذا المشروع أمن لنا عصّارة تفاح مع مكبس، وأصبحنا ننتج الدبس، بدأنا عام 2014، ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتج دبس التفاح ونبيعه، ويستفيد المزارع والعاملات في التعاونية من هذا الإنتاج".

نفذت التعاونية بالتعاون مع USAID مشاريع أخرى مثل تجفيف الفواكه وصناعة المربيات مستفيدة من الدعم بالمعدات والتدريب والتشبيك. "كان لدينا مشروع جديد نود التقديم عليه، وهو مشروع تجميد بعض المنتجات، خاصة الفراولة والتوت، لتنويع تصنيعنا أكثر وزيادة إنتاج التعاونية، ولكن الآن بعد وقف التمويل، لم نطور الفكرة… ننتظر لحين إعادة تنشيط المشاريع مجددًا. يمكنني التأكيد أن أكثر من مئتين شخص استفادوا من هذه المشاريع، كالمزارعين، والأشخاص الذين نشتري منهم المواد الأولية، والنساء التي تعمل في التعاونية لتصنيع المنتجات…".

لطالما كان القطاع الزراعي معتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي، ومن بينهم USAID، في ظل غياب شبه كلي للدولة اللبنانية والحكومات اللبنانية. ورغم كل تلك المساعدات، لم ينجح القطاع الزراعي إلى الآن في الخروج عن الاعتماد على المنح الدولية للمنظمات غير الحكومية، أو بقي أسير مبادرات فردية، وقد يصعب أن تتحقق استقلالية القطاع وتفعيل إنتاجه، إلا عبر الاستثمار به من قبل الدولة ووضع خطط واضحة للتصدير، ودعم الإنتاج وتخفيض كلفته، وحماية المزارع اللبناني من الاستيراد الجائر.

أهم ما في الأمر أن الوكالة الأميركية ساعدت في جعل التعاونية أكثر من مجرد شخصين يعملون بها فقط لا غير، لتتحول لمؤسسة، مع مجلس إدارة، وخطط وتدريبات، وإنتاج، وهذا كله بسبب التدريبات التي تلقتها التعاونية في مجالات عدة، كالتسويق والإدارة.

Location: 
Lebanon
Author: 

Charbel El Khoury

Lebanese journalist