الفلسطينيون منسيون من تعويضات بعد الحرب

الصورة لعمر أحمد

ما إن تلاشت أصوات الغارات الإسرائيلية العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت حتى تكشفت آثار القصف وأصبح المشهد واضحًا أمام السكان. منزل الفلسطيني لم يسلم، كحال منزل جاره اللبناني، وإذا أخذنا من مخيم برج البراجنة مثالًا على ذلك سنرى أن القصف كان يحيطه من كل الجهات، إذ يقع المخيم في الجهة الشمالية الشرقية من الضاحية.

باسمة ق. سيدة فلسطينية في عقدها السادسة، تعيش مع ابنتها الكبرى، تقول: "بيتنا على حدود مخيم برج البراجنة مع الضاحية، حصلت أعنف غارة على الضاحية مقابل بيتنا تمامًا، ما يفصل بيننا هو فقط الأوتوستراد". تباين المشهد بين السكان المتضررين بعضهم من لم يبق من بيته سوى ركام هامد، ومنهم من تمكن من إخراج القليل من أغراضه من تحت الأنقاض، وآخرون من تضررت منازلهم وتعرضت للتصدع.

تشرح باسمة "رغم أن الغارة كانت شديدة القوة وقد دفعتني من على الأريكة في الصالون إلى الدرج في الخارج، وابنتي دخلت في حالة خوف هستيري، إلا أننا لم نمت، لكن بيتنا تضرر كثيرًا، الشظايا حطمت واجهة الشرفة الخشبية وبوابتها، كما دمرت التلفاز وزجاج النوافذ وتضررت الجدران".
 
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على امتداد مساحة لبنان مبنية بشكل عشوائي وعلى أسس عشوائية، لكن هناك عوامل كثيرة فاقمت من مشاكل الأبنية، حيث يعلل السيد خالد زعبوطي (58 عامًا) الذي يسكن في وسط مخيم برج البراجنة ولم يغادر منزله طيلة فترة الحرب "لقد أصبحت الأبنية قديمة، وتأثرت بالرطوبة، كما أن المياه المالحة التي تزود بها المخيمات تجعل الوضع أسوء، ثم وقع انفجار مرفأ بيروت، وبعده حدث زلزال سوريا وتركيا، كل ذلك له تأثير تراكمي على الأبنية".

لا مفاضلة بين المكلومين في الألم والحسرة على ما كرس المرء جهده وعمره حتى يجنيه، لكن قد يكون هول الكارثة أخف وطأة على من كان لديه أحد أو حزب أو جهة أو مؤسسة تهتم لأمره وتعينه على المصاب الجلل، وهذا ما لم يحصل مع المتضرر الفلسطيني من الحرب، ففي الوقت الذي لم تفرق فيه صواريخ الاحتلال الإسرائيلي بين جنسية وأخرى بالأذى والموت والتدمير، وقع التفريق والتمييز بين لبناني وفلسطيني في من تشمله التعويضات ومن يستثنى منها. لم يعرف عن أي من مكاتب تسجيل المتضررين المنتشرة في الضاحية والتابعة لحزب الله أنها وفرت تعويضات للفلسطينيين المتضررين، فهل ذلك لأن منزل الفلسطيني المتضرر يقع داخل حدود المخيم؟ المخيم الذي يقع نفسه في قلب الضاحية الجنوبية.

تحكي باسمة عن تجربتها في مكاتب التسجيل، والمرارة تبدو في صوتها "ذهبت إلى مكتب تسجيل الأضرار في حارة حريك وقلت لهم: نحن فلسطينيون وأريد التسجيل. بدأ الموظف بالضحك! ثم أرسلني إلى مكتب آخر في مجمع السجاد بشارع بعجور، وهناك أيضًا لم يتم تسجلينا، أرسلوني إلى مكتب آخر في الرويس، غضبت كثيرًا وقلت له: إذا لم يكن هناك تسجيل لنا فقل لي! وإلى اليوم هذا هو حالنا، ما زلنا لم نسجل، لا من خارج المخيم حيث يتم تسجيل المتضررين اللبنانيين، ولا من داخل المخيم ولا من الأونروا، لا أحد يعنيه أمرنا".

إلى جانب شعور الخوف من الخطر الكامن في كل زاوية وركن من منازلهم، تتشارك العائلات الفلسطينية المتضررة مشاعر الخذلان، إذ لم يأت أحد بغاية الكشف على الأضرار، لا من جمعيات ولا مؤسسات ولا من اللجان الشعبية في المخيم ولا منظمة التحرير الفلسطينية ولا حتى من الأونروا التي تعرف نفسها كوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

تقع سنويًا، في المخيمات الفلسطينية التي باتت متهالكة، حوادث سقوط أسقف المنازل أو انهيار الشرفات. مؤخرًا في 7 أيلول/سبتمبر 2024، انهار درج أحد المباني في مخيم شاتيلا، وفي آخر تصريح حول برنامج الترميم الذي تنفذه الأونروا قالت المتحدثة باسمها هدى السمرا "هناك 5500 منزل في المخيمات الفلسطينية بحاجة إلى ترميم".

يقول السيد خالد زعبوطي مستغربًا "بيتي هذا جديد، قامت الأونروا بترميمه قبل ثلاث سنوات، وهذا حاله الآن بسبب الغارات الإسرائيلية، هناك شروخ وتصدعات في الأعمدة الأساسية والأسقف في جميع أنحاء المنزل، وهناك جدار في غرفة النوم منفصل عن الآخر بمقدار 3 سم، هذا حال بيتنا فكيف ستكون حال البيوت القديمة؟".

علاقة اللاجئ الفلسطيني ببيته لم تستقر منذ أن سُلبَ بيته الأول، فمنذ زمن الخيمة، وهو يصارع من أجل مأوى يليق به ويصون كرامته، ويقي أبناءه برد الشتاء وحرارة الصيف. لكنه اليوم عاد ليعيش مشهد من الأيام الأولى بعد النكبة، حيث سطح الخيمة القماشي الممزق كان يتسرب منه الماء، وها هو اليوم، سقف البيت المتشقق وجدرانه المتصدعة تجري منها مياه الأمطار، وتكاد لا تكفي الأواني لجمعها، وأمام هذا الواقع المرير، ترى عائلات فلسطينية كثيرة في مخيم برج البراجنة أن الجميع تخلى عنها، وأنها تُركت وحيدة في مواجهة المعاناة التي خلفتها الحرب.

Location: 
Lebanon
Topic: 
War on Lebanon 2024
Author: 

Omar Ahmad

Syrian-Palestinian journalist based in Lebanon

randomness