اللجوء السوري في لبنان: أسئلة ما بعد سقوط الأسد

الصورة لروجيه أصفر

سقط نظام الأسد، وقد تكون أغلب أسباب لجوء السوريين إلى لبنان قد سقطت معه، هذا ما تبدو الأمور نظريًا عليه أقله، لكن مع التأمل عن قرب والاستماع إلى السوريين في لبنان، يظهر أن المشهد أكثر تعقيداً في الحقيقة. في السياق اللبناني هناك سرديتان سائدتان على الأقل بشأن اللاجئين السوريين، واحدة تقول بأن وجودهم مفيد للبنان على صعيد العمالة وتدفق أموال المساعدات من الخارج، وثانية تقول إن وجودهم يسبب استنزاف الموارد اللبنانية المتضائلة ويساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية اللبنانية.

بحسب أحمد، اللاجئ السوري ابن الـ 39 عامًا المقيم في محيط صبرا قادمًا من ريف حماة، فقد "كان سقوط الأسد أحد أسعد أيام حياتي، شعور بالحرية والنصر لا يمكن وصفه بكلمات، أصبح التفكير بالعودة إلى وطني ممكنًا للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، ولكن الأمر، خاصة حين تكون مسؤولًا عن عائلة، ليس بهذه السهولة".

            يقول أحمد "في الحقيقة لست معنيًا -مع محبتي واحترامي- بأي سردية لبنانية بشأن اللاجئين، ولو كانت إيجابية، ما يهمني هو أن تتوفر الظروف المناسبة لي بالحد الأدنى في سوريا كي أعود في أسرع وقت ممكن". يشرح أحمد أن أول شرط هون استقرار الحالة الأمنية، الإيجابية نسبيًا في الوقت الحاضر، متحدثًا عن ستة أشهر أو سنة من الاستمرارية، يليها شرط توفر العمل الذي يؤمن مدخول مناسب، "لكن حتى ولم تتوفر فرصة العمل المناسبة، أعول على أن أكون جزءًا من نموذج العمالة السورية في لبنان ما قبل الثورة السورية، أي حين يأتي العمال ليعمل في لبنان في حين تبقى عائلته في سوريا، وهذا يخفف من اللاجئين في لبنان معيدًا العائلات إلى مسقط رأسها أو مجتمعها الأصلي، ويبقى العامل في لبنان ليسد فراغًا في سوق العمل المحلي ويؤمن قوت عائلته في الوقت نفسه".

       من جهة أخرى، وفي سياق تنوع إثني، عربي-كردي بشكل خاص، له تحدياته الخاصة به، لا ينطبق ما يقول به أحمد على إيفين، الشابة السورية الكردية (31 عامًا) المنحدرة من ريف حلب الشمالي، فالتهجير والانتهاكات التي ارتكبتها وترتكبها فصائل معارضة عربية بحق الكرد هناك، تجعل من عودة من ترك المنطقة أمرًا ليس باليسير، "إذ إن اعتبار حماة ودمشق وحلب وغيرها مناطق آمنة بشكل مقبول، وإن هش، لا يعني أن كل المناطق السورية آمنة، مثل مسقط رأسي والمناطق التي تشهد توترًا واحتقانًا سنيًا علويًا مثل حمص وبعض ريفها ومناطق الساحل بحسب ما أسمع في الأخبار المتداولة". تدرك إيفين التي تقول إن اللجوء في لبنان قد أنهكها واستنزف طاقاتها ومواردها، قد ينتهي بعودتها إلى سوريا ولو يتم توفر الأمن في ريف عفرين حيث مجتمعها وبعض أهلها، "أستطيع السكن في حلب لأكون قريبة من الريف الشمالي ولكن في منطقة أكثر استقرارًا وأمنًا، والأهم توفر فرص عمل أكثر مقارنة بالريف، وهو أمر قد أقدم عليه بسرور إن بقيت الحالة الأمنية في المدن الكبرى مثل حلب ودمشق على حالها أو تحسنت، وأيضًا حال عثوري على فرصة عمل مناسبة".

       شهد الشمال السوري من غربه إلى شرقه، وما زال يشهد، صراعًا عربيًا كرديًا مورست فيه انتهاكات متبادلة تضمنت اقتتالًا وتهجيرًا بالإضافة إلى التنكيل واحتلال أراض وعقارات، ما يجعل الحساسيات الإثنية أكثر بروزًا وبالتالي أكثر تأثيرًا على حركة السكان واللاجئين. على صعيد آخر، هناك مؤشرات على تقدم الحلول السياسية، التي كثيرًا ما تقترن بعمليات عسكرية ضاغطة، بين سلطة الأمر الواقع في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (الكردية) في شمال شرق سوريا، ليس بمعزل عن تأثير الدولة الإقليمية والغربية وأدواتها المحلية.

       بعيدًا عن الأمن والاقتصاد وفرص العمل تنقل ربة عائلة سورية لاجئة في البقاع بشهادتها النقاش إلى منحى مختلف، إذ تشرح ولاء (47 عامًا) المنحدرة من جنوب سوريا أن الموضوع يتجاوز الأمن والموارد على أهميتهما، "فنمط الحياة اختلف، ربيت بناتي وأولادي بطريقة أقل محافظة مقارنة بأنماط التربية في المنطقة التي نشأت فيها في سوريا، لقد تعودوا على طريقة تفكير وتصرف وحياة مختلفة، لا أعتقد أنهم يستطيعون التأقلم مع بيئتي الأصلية التي لم يختبروا يومًا تفاعلًا واعيًا معها. لا أريد البقاء في لبنان، ولكنني أيضًا استصعب العودة إلى سوريا، وبما أن فرص إعادة التوطين في بلد ثالث تراجعت جدًا مع سقوط النظام، قد أجبر على العودة إلى سوريا ولكن مع خيار السكن في دمشق حيث الحياة أكثر تنوع لجهة الخيارات وإن كانت أكثر كلفة". تشكل هذه الشهادة تأكيدًا على تفضيل كثر من العائدين أو المخططين للعودة المدن والمراكز الأساسية على الأرياف، لأسباب تتعلق بالفرص الاقتصادية ونمط الحياة.

       يظهر سوريون كثر في لبنان على تنوع تصنيفاتهم من لاجئين وغير لاجئين، رغبة في العودة إلى سوريا بعد التأكد من الاستقرار الأمني، خاصة مع احتمال تحسن الأوضاع الاقتصادية واستعادة البنى التحتية بعض فعاليتها. تستعيد هذه الرغبة في حالات عديدة نموذج العمالة السورية في لبنان ما قبل الثورة السورية، وهي حالة تمتد في الماضي بضعة عقود وليست بالجديدة، إذ تلبي حاجة لبنانية مزمنة للعمالة قد تتعزز مع توفر تمويل كاف لعمليات إعادة الإعمار في لبنان بعد الحرب الأخيرة، وتخفف من أعداد اللاجئين في لبنان على نحو ملموس، كما تضمن عودة السوريين إلى وطنهم حيث الموقع الطبيعي لهم.       

Location: 
Lebanon
Author: 

Roger Asfar

Researcher and Editor

randomness