ما خلّفه الأسد المخلوع يعيق عودة اللاجئين إلى سوريا

الصورة ل عمر أحمد
كما زرع نظام الأسد الخوف عند السوريين، زرعه أيضًا في نفوس أكثر من نصف مليون من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهو تعدادهم قبل اندلاع شرارة الثورة السورية، بحسب "أونروا"، وبحكم سلب النظام معاني الأمان من المواطنين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، استمر تهجيرهم القسري المضني في الشتات قرابة 13 عامًا.
أما الآن، وقد فُتحت أبواب السقوط، سقوط الأسد وشعاراته، وزوال الخوف الذي ملأ به قلوب الناس، فارًا مخلوعًا، وبقي البلد، الذي انتشر فيه فرح الناس المنتظر. لكن سرعان ما اكتنف هذا الفرح ريبة سؤال العودة وهواجسها الكثيرة، فكما هو حال كثير من اللاجئين السوريين الذين ما زالوا غير قادرين على العودة فكذلك الحال عند 29,145 من اللاجئين الفلسطينيين السوريون الذين هجروا إلى لبنان بحسب "أونروا".
بالنسبة لج. ش. الفلسطينية السورية البالغة من العمر 43 عامًا، المقيمة في مخيم برج البراجنة جنوب بيروت، فإن أول ما يعرقل فكرة عودتها وعائلتها إلى سوريا هو موضوع المأوى، تعلل قائلة ”لم يبقى لنا بيوت نعود إليها، بيتي وبيت أهلي في مخيم اليرموك قصفوا، ثم أنه ليس سهلًا أن تبدأ حياتك من الصفر مرة أخرى، ونخشى ألا يتمكن زوجي من إيجاد عمل فالوضع الاقتصادي غير مستقر والفقر منتشر، فكيف سنتمكن من دفع إيجار منزل؟".
لم تسلم التجمعات والمخيمات الفلسطينية من القصف العنيف الذي نفذه نظام الأسد، وتُعتبر مخيمات مثل خان الشيح ودرعا وحندرات واليرموك من أكثر المخيمات تضررًا. مخيم اليرموك وحده الذي يعد أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، وصلت نسبة الدمار فيه إلى ما لا يقل عن 80%، لذا من يعود هذه الأيام إلى مخيم اليرموك سيواجه معوقات العيش فيه ومن أبرزها: ضعف البنى التحتية وعدم وجود مشافي، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى المنازل بسبب تكدس الركام، وكذلك وجود منازل مهددة بالانهيار ووجود مخلفات الحرب غير المنفجرة، وانتشار النفايات والحشرات والكلاب الضالة، وفقدان العديد من أهالي المخيم أوراق الملكية لممتلكاتهم بسبب دمار المنازل وسرقتها وحرقها أو ضياعها.
يتضاعف القلق من فكرة العودة مع دخول الاحتلال الإسرائيلي إلى أراضي سورية جديدة واحتلالها دون أي رادع، وتعبر ج. ش. عن ذلك بقولها ”نخشى إن عدنا إلى سوريا ولم نجد الأمان أن نكون غير قادرين على العودة إلى لبنان الذي لن يستقبل لا فلسطيني ولا سوري، بالإضافة إلى أن إجراءات الدخول إليه وشروط الحصول على إقامة فيه تعجيزية".
أما بالنسبة لحسين محمود الفلسطيني السوري البالغ من العمر 25 عامًا، المقيم في مخيم شاتيلا، فقد كانت أكبر عقبة أمام ذهابه إلى سوريا في الماضي هي الخدمة العسكرية الإلزامية، إذ يشرح ”كان من المستحيل أن أعود لأنني ملزم أن أؤدي خدمتي العسكرية في جيش التحرير الفلسطيني، وبالطبع لن أقبل أن أكون جزءًا من جيش يحكمه نظام مجرم“، لكن هذا الهم الثقيل تبدد حيث ألغت الإدارة الحالية لسوريا الخدمة العسكرية الإلزامية فأصبحت فكرة العودة أسهل من هذه الناحية، لكن حسين من الجيل الذي لم تتاح له فرصة بناء علاقة وذاكرة مع سوريا، فقد كان عمره 12 عامًا عندما خرج من مخيم اليرموك إلى لبنان، يصف حاله قائلًا ”عشت مراهقتي وأعيش شبابي الآن في لبنان، ولدي هنا عمل وعلاقات اجتماعية وأصدقاء وأقارب، وتعايشت مع البلد ولي فيه ذكريات، لا أعرف بالضبط إذا ما عدت إلى سوريا إن كان باستطاعتي العيش هناك، في الحقيقة أنا لا أريد العودة إلى سوريا ولا البقاء في لبنان".
الجدير بالذكر أن الفلسطيني لم يشعر يومًا -في الأغلبية العظمى من الحالات- بأي تمييز أو تفرقة داخل سوريا، إذ أنه بعد النكبة الفلسطينية بعام واحد فقط، في سنة 1949 بدأ الفلسطينيون في سوريا العمل في الوظائف الحكومية، وبحلول عام 1952 أصدرت الحكومة السورية آنذاك قرارًا يسمح للفلسطينيين بالعمل بشهادتهم، ثم في العام نفسه صدر قانون 260 الذي يقر بأن المواطن السوري والفلسطيني متساويان في الحقوق، كل ذلك قبل وصول حزب البعث وآل الأسد إلى السلطة في سوريا.
عانت ج. ش. من العنصرية والتمييز ما عانته وعائلتها في لبنان لذلك تحكي بحرقة عن ماضيها في سوريا وشوقها للبلد ”لن أبقى في لبنان، من المؤكد أني سأعود إلى سوريا حتى وإن لم يحدث ذلك قريبًا، لكني سأعود، كان من الصعب جدًا أن نترك منازلنا وأرضنا سوريا، هناك ولدت وتربيت وفيها كل ذكرياتي الجميلة، ولم يكن هناك فرق أو تمييز بيننا وبين الشعب السوري، كنا أخوة وبيننا محبة وود وما زلنا".
سؤال العودة اليوم يتردد في أذهان الناس وعلى ألسنتهم بعد هروب الأسد من سوريا. الجميع يطرح السؤال: هل ستعودون؟ قد يعتبره البعض سؤالًا عاديًا بديهيًا، لكن وقع السؤال يحمل أبعادًا موجعة في نفوس الفلسطينيين السوريين، الذين ورثوا لعنة اللجوء والبلد المؤقت عن أجدادهم إثر النكبة، ثم وجدوا أنفسهم يخوضون مجددًا تجربة اللجوء الجديد والمؤقت الجديد، في مشهد بانورامي تبدو فيه الأجيال المتعاقبة -من الجيل الأول بعد النكبة حتى الخامس- تسلم بعضها البعض لعنة ثقيلة، تكبر وتتغذى على آلامهم، ورغم كل المنافي التي وطأتها أقدامهم، لم تفارق أذهانهم قضية العودة، إلى حيث يجب أن يعودوا، لكن أحدًا لم يأتِ ليقول لهم، ها قد انهزم الوحش، فهل ستعودون.. إلى فلسطين؟