بعد الحرب… بدلات إيجار الشقق في الضاحية الجنوبية - ارتفاع جنوني دون أي رقيب

الصورة لصفاء عياد
لم تقتصر خسارة الشاب سلمان قشمر على تدمير منزله خلال الحرب، الذي كان يقطنه مع زوجته في الضاحية الجنوبية لبيروت. فسلمان كان يقطن في شقة مستأجرة. وبعد إنتهاء الحرب طالبه صاحب الشقة بضرورة دفع بدل إيجار المنزل عن الأشهر الثلاثة أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر والثاني/نوفمبر. يروي قشمر ما حدث مع مالك الشقة التي كان يقطن فيها، "في الحرب تعرض منزلي المستأجر للتدمير، وخلال الحرب أتاني فرصة عمل في أربيل، وقمت بالسفر ولحقت بي زوجتي". لكن مطالبة صاحب المنزل ببدل الإيجار كان مفاجئًا، "كنت قد سددت بدل إيجار المنزل عن شهر أيلول/سبتمبر، لكن بعد ذلك تحول المنزل كومة حجار، وهنا بدأ استغلال أصحاب البيوت لسكانها". مضيفًا، "طمع أصحاب الشقق بالتعويضات التي سوف تدفع، وبدأوا بزيادة بدلات إيجارات البيوت في الضاحية".
قشمر الذي لم يستشر قانونيًا، ولا حتى البلدية الواقع منزله ضمن نطاقها، يشير إلى أن "المشكلة في هذا البلد غياب القانون، وغياب دولة فعالة توقف استغلال الناس تحت حجة أن هناك تعويضات سوف تصرف للمتضررين، وهي فرصة لإستغلال شاغلي المنازل لطلب رفع قيمة بدل الإيجار". ويختم قشمر "قبل الحرب كان بدل إيجار المنزل المكون من غرفتين 150 دولارًا أميركيًا، واليوم المنزل الذي لا يصلح للسكن، يطلب فيه 400 دولارًا أميركيًا، ومن يعترض يُطرد".
خلال الحرب علت أصوات أهالي الضاحية الجنوبية والقرى الجنوبية والبقاعية بشأن الاستغلال وبدلات الإيجارت الخيالية التي كانت تطلب منهم في المناطق التي نزحوا إليها. وُصفت تلك الفترة بمرحلة الاستغلال وعدم الرأفة بالناس ومعاناتهم خلال الحرب، ليستكمل المواطنون رحلة التعرض للاستغلال بعد توقف الحرب، من أبناء مناطقهم هذه المرة. فغالب الشقق المعروضة للإيجار في الضاحية باتت تكلف بين 400 و1000 دولار أميركي، تختلف بحسب المنطقة التي تقع فيها الشقة.
تقول السيدة رنا التي فضلت عدم ذكر اسم عائلتها، "في منطقة الصفير طلب منا صاحب شقة معروضة للإيجار مبلغ 800 دولار أميركي، تدفع سلفًا لمدة ثلاثة شهور". وتتساءل، "أيعقل أن تصبح أسعار الشقق خيالية، ولا يتم مراعاة حاجة الأشخاص الذين تهدمت منازلهم. ألم يكفنا ما تكبدناه من مصاريف وبدلات إيجارات خلال الحرب، دون التعويض علينا".
في حين تتكاثر إعلانات على منصتي فايسبوك وإنستغرام، يطلب أصحابها شققًا معقولة بدل الإيجار. يتحجج أصحاب الصفحات التي تعرض الشقق المتوفرة على وسائل التواصل الإجتماعي، أنهم فقط مسؤولون عن إعلانات دعائية، ولا شأن لهم بأصحاب الشقق أو السماسرة.
قبل الحرب، كانت السيدة لمى التي فضلت عدم ذكر اسم عائلتها، تستأجر منزلًا مع زوجها بمبلغ 300 دولارًا أميركيًا في منطقة الكفاءات في الضاحية الجنوبية لبيروت، طاولت شقتها أضرارًا جسيمة، في المطبخ والنوافذ والزجاج، وحين عودتهم إلى المنزل قام صاحب الشقف برفع بدل إيجار الشقة إلى 500 دولار أميركي. وتسأل لمى "زوجي عسكري في قوى الأمن الداخلي راتبه الشهري 300 دولار، كيف يمكن لنا الاستمرار بالدفع؟ يعمل زوجي في أكثر من وظيفة لكي نغطي نفقاتنا الضرورية"، وتضيف لمى بحسرة، "من المفترض أن تغير الحرب في نفوس العالم، وتغير في تفكيرهم، فما كنا نعاني منه من استغلال في بعض المناطق التي نزحنا إليها، نشهده اليوم مجددًا في الضاحية". وتتحدث لمى، أن اللجنة المكلفة بالكشف ودفع التعويضات ستعوض على مالك الشقة، ولا نعلم ما إذا كان مالك الشقة سيقوم بإصلاح الأضرار في المنزل، فنحن قمنا بإصلاح بعض الأضرار ولا سيما الزجاج على نفقتنا الخاصة، ولم نتلق أية تعويضات".
يُترك المواطنون بعد الحرب تحت رأفة أصحاب الشقق، وقانون الإيجارات الذي لا يحدد سقفًا محددًا لبدلات الإيجارات، يمكّن المالك من تحديد قيمة بدل الإيجار دون ضوابط، إلا إنه لا يجوز له رفع البدل خلال مدة عقد الإيجار إلا إذا تم الاتفاق مسبقًا على هذا الرفع. فهل يعقل أن يطلب أصحاب الشقق من سكانها بدل إيجارات البيوت مهدمة، وزيادة بدلات الإيجارات دون ضبط قانوني للموضوع؟