نزوح اللاجئين من مخيم شاتيلا. جدران متصدعة وأبنية تهتز
رنا زيدان
أعادت الحرب على لبنان أزمة الأبنية المتصدعة والآيلة للسقوط في مخيم شاتيلا إلى الواجهة مجددًا، إذ بلغت نسبة النزوح حوالي 70% من سكان المخيم في الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، بحسب مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم شاتيلا. توزع النازحون على مناطق مختلفة، فبعضهم لجأ إلى أقاربه في منطقة وادي الزينة قرب صيدا جنوبًا ومخيمي البداوي ونهر البارد قرب طرابلس شمالًا، في حين لجأ آخرون إلى مدرسة "يعبد" التابعة للأونروا في منطقة صبرا.
تأسس مخيم شاتيلا عام 1949 جنوب بيروت، لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين القادمين من الجليل وشمال فلسطين، ويُقدر عدد سكانه اليوم بـ 14,010 شخصًا وفقًا لتعداد السكان في لبنان لعام 2017، ويشمل هذا الرقم الفلسطينيين والنازحين السوريين، إلى جانب عمال مهاجرين من دول مثل إثيوبيا وبنغلادش وسريلانكا.
تسكن أسيل مع زوجها وأبناءها الأربعة، في الطرف الشمالي لمخيم شاتيلا، الأقرب إلى الضاحية الجنوبية لبيروت والمقابل لمنطقتي الشياح والغبيري. تعيش العائلة في مبنى متصدع، جدرانه متآكلة وأحجاره تتفتت خاصة مع الضربات المتتالية التي تستهدف الضاحية الجنوبية. تقول أسيل "ازدادت التشققات والشروخ في جدران منزلنا منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وظهرت تصدعات جديدة، أما درج المبنى، فقد تدهورت حالته أكثر، إذ تتساقط الأحجار من كل جانب". أضافت شارحة مدى خطورة الوضع على حياتها وحياة عائلتها "كنت أكنس الدرج كعادتي عندما شنت إسرائيل غارة على الضاحية. اهتز الدرج تحت قدمي وسقط حجر كبير من السقف بالقرب مني".
لا يقتصر الضرر والخطر على الضربات القريبة من المخيم في منطقتي الغبيري والشياح المجاورتين، التي تصل شظاياها إلى المخيم، كما أكد زوج أسيل "تصل الشظايا إلى الحي الذي نسكن فيه". حتى الضربات التي تُعتبر بعيدة نسبيًا عن المخيم تؤدي إلى اهتزاز المباني. تضيف أسيل "يهتز المنزل بنا، حتى لو لم نسمع صوت الغارة، وكأنها هزة أرضية قوية، بل زلزال!".
نزحت أسيل مع عائلتها بعد الضربات القوية الأولى إلى مخيم البداوي، الذي اكتظ بالسكان بعد حركة النزوح الكبيرة من مخيمات بيروت وصور. بقيت هناك لمدة 15 يومًا فقط، ثم عادت إلى منزلها! تفسر أسيل قرارها بسببين: "الأول هو ابني الأكبر الذي بقي في بيروت لأنه لم يتمكن من مرافقتنا بسبب التزامه بعمله، فهو المعيل الوحيد للعائلة الآن، ومن الصعب عليه ترك العمل. أما السبب الثاني فهو أنني لم أستطع البقاء بعيدة عن منزلي ومخيمي. النزوح صعب، حياتي هنا في مخيم شاتيلا، هنا منزلي وناسي، رغم الخطر الذي يواجهنا يوميًا، وقلقنا من سقوط المبنى في أي لحظة بسبب تدهور حالته".
من الأسباب التي دفعت العائلة إلى النزوح، إلى جانب تدهور حالة المبنى، كان ابنها الأصغر، الذي يبلغ من العمر عشر سنوات، الذي لم يتوقف عن سؤال والديه مع بداية الحرب "ما هي الحرب؟". مع اشتداد الغارات وارتفاع أصوات الانفجارات واهتزاز المنازل تحت أقدام ساكنيها، والخوف الذي يعيشه أهل المخيم يوميًا، يعدد زوج أسيل ثم يستنتج: "عندها عرف ابننا الإجابة". وتضيف هي: "خوف زوجي على طفلنا دفعه لاتخاذ قرار النزوح من المنزل، لا نريد أن يشعر بالرعب والخطر في بيته... لكن هذا منزلنا، ويجب أن نعود إليه".
يشكل الابتعاد عن البيت هاجسًا متجددًا يطارد اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة عام 1948، يسعى كل منهم إلى امتلاك بيت يحمل ما يمكن من معاني الاستقرار والأمان، ومكانًا يجمع العائلة داخل حدود المخيم الضيق، الذي بات يشكّل وطنًا مصغرًا بأزقته وأحيائه التي تحمل أسماء مدن وقرى فلسطينية تعيدهم إلى جذورهم. هذا الحنين للوطن هو ما دفع الفلسطينيين في لبنان، البلد المضيف، إلى تشكيل هذا الوطن المؤقت، على علاته، إلى حين العودة. لذا، فإن مغادرة المخيم أو الابتعاد عنه تبقى أمرًا عسيرًا عليهم ولو اشتدت الظروف، لتراهم يعودون إليه سريعًا كلما ابتعدوا.
عندما تبدأ الغارات على الضاحية الجنوبية، يتأهب أهالي المخيم الذين لا يزالون في بيوتهم للفرار مؤقتًا إلى منطقة طريق الجديدة المجاورة، تحسبًا لزيادة حدة الضربات، ثم يعودون إلى منازلهم بعد هدوء الأوضاع. على الرغم من خوفها المتكرر لساعات طويلة وازدياد الشروخ في جدران منزلها، تذكر أسيل "في البداية، كنت أخرج من المخيم عندما تشتد الضربات، لكن منذ عودتي إلى منزلي بعد النزوح إلى البداوي، لم أعد أغادره أبدًا".
تعود أزمة المباني الآيلة للسقوط وتصدعها إلى سنوات طويلة مضت، لتتجدد معاناة أهالي المخيم ومخاوفهم كل عام مع حلول فصل الشتاء الذي يزيد من احتمالات انهيار المباني المتشققة. ازدادت حدة هذه الأزمة بعد الزلزال والهزات الأرضية التي ضربت تركيا وسوريا، والهزات الارتدادية التي شهدها لبنان شباط/فبراير العام الماضي 2023، ما أدى إلى تفاقم تصدعات المباني التي باتت على وشك الانهيار.
تنهارمن حين لآخر بعض المباني أو أجزاء منها في المخيم، كما حدث في أيلول/سبتمبر الماضي حين انهار درج في أحد مباني مخيم شاتيلا. وأشارت الإحصاءات إلى أن 5500 منزل في المخيمات اللبنانية مهدد بالسقوط، وفقًا لما صرحت به الناطقة باسم وكالة الأونروا هدى السمرا، معللة سبب تأخر معالجة هذا الملف إلى عدم توفر تمويل، فتمويل مشاريع من هذا النوع يأتي من الدول المانحة، وليس عبر الموازنة العامة للوكالة.
تقول أسيل "طالبنا وبقية أهالي المخيم الأونروا مرارًا وتكرارًا بترميم منازلنا، لكننا لم نتلق أي استجابة لمطالبنا"، وتضيف "لم تقم الأونروا بأي عملية فحص أو زيارة المبنى الذي نسكنه للكشف عليه، لا في السابق ولا الآن".
بين العدوان الإسرائيلي وإهمال الأونروا أو ضعف قدراتها، تبدو إسرائيل وكأنها تلاحق الفلسطينيين حتى إلى بلدان لجوئهم ومخيماتهم اللبنانية المنهكة. وبعد 75 سنة على إنشاء مخيم شاتيلا، تهدد ضرباتها حياتهم، وسلامة أطفالهم النفسية، في أبنية تتداعى يومًا بعد يوم.