علي سليم: صياد السمك التي حرمته إسرائيل من البحر

الصورة ل عصام عبد الله
"متل السمكة برا الصرفند بتموت" يقول الشاب علي فايز سليم (30 عامًا) ابن بلدة الصرفند في منشور له على انستاغرام، في إشارة منه إلى مدى تعلقه بالبحر والصيد، والصرفند مسقط رأسه التي تقع جنوب بيروت، تبعد عنها 60 كلم في قضاء صيدا. البلدة مسقط رأسه التي نزح منها بعد توسع الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان في 23 أيلول/سبتمبر الماضي.
"تعرفت على الصيد في عمر السنتين من مرافقة والدي في عمله، وأصبحت صيادًا منتجًا منذ كان عمري 8 سنوات، أصطاد وأبيع وأجمع مصروفي". مشيرًا إلى شغفه بمهنته صيد السمك وتعلقه بها، والتي حرم منها، بعد أن تعرضت هذه المهنة لانتكاسات كبيرة منذ بداية الحرب على الجنوب في 8 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023 حيث تركز الضرر الأكبر في الساحل الجنوبي الأقرب إلى الحدود الجنوبية تحديدًا، وبعد أن أدى توسع الحرب إلى إلحاق الضرر بصيادي موانئ صور والصرفند.
يقول علي أن الصيد تأثر منذ ما قبل جبهة الإسناد، تحديدًا منذ بداية معارك مخيم عين الحلوة في صيدا في تموز/يوليو 2023، التي عادت واندلعت أيضًا في أيلول/سبتمبر، إذ احتدمت المعارك هناك بين حركة فتح وعناصر من مجموعات إسلامية، موقعة عشرات القتلى والجرحى.
استمر مفاعيل التطورات على الصيادين مع دخول لبنان جبهة الإسناد، "نتأثر كصيادين بأبسط الأزمات، من ناحية انخفاض الطلب، وزيادة العرض، ما يجعل السعر متدن جدًا، وموسم السياحة السيء كان له تأثير سلبي علينا بدوره، فالسمك في لبنان يعتبر سلعة للميسورين".
عن تأثير الحرب على الصيد يقول علي: "كان التأثير أولًا في موسم الشتاء الماضي. يكون عملنا عادةً في هذه الفترة محصورًا ضمن البحر من صور إلى الناقورة، كنا نذهب إلى الصيد ٣ أو ٤ أيام في الأسبوع، حسب خطورة الوضع وحسب القصف الذي كان يستهدف الطريق الذي يؤدي إلى الشاطئ في الناقورة. ثم أصبح الوصول إلى ميناء الناقورة أشبه بالإنتحار، وكان قد سقط حينها فيه ٤ شهداء صيادين و٣ جرحى بعد استهدافهم على طريق الذهاب أو العودة من الصيد".
قبل ذلك، تأثر قطاع الصيد مثله مثل كثير من القطاعات الأخرى بالأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2019، ولا تزال مستمرة إلى الآن، ويضيف علي: "انخفضت أسعار الأسماك بنسبة تتراوح بين 10% و30% منذ سنة بسبب الحرب وشح الطلب، وقد كانت الأسعار أصلًا قد انخفضت بعد العام 2019، بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطن اللبناني. بعد شهر آذار من العام الحالي انتقلنا للصيد في ميناء صور، وكان حينها يعتبر آمنًا، وكنا نذهب جنوباً وصولاً للبياضة شرق مدينة صور، وكنا نخرج من الصرفند في بعض المرات، في هذه الفترة أيضًا، انخفضت الأسعار بنسبة 50%".
منذ ما قبل 23 أيلول 2024، كانت عملية النزوح مستمرة من قرى الجنوب الحدودية إلى مناطق أكثر أمنًا مثل صور والنبطية وصيدا وضاحية بيروت الجنوبية، ولكن بعد توسع رقعة الحرب، أصبحت مناطق النزوح الأولى غير آمنة بدورها، وبطبيعة الحال، ضربت موجة النزوح الصيادين في الجنوب، الذين تركوا مهنتهم ومراكبهم وبحرهم، وذهبوا لمناطق أكثر أمانًا.
"أغلب الناس نازحة والاعتماد في الجنوب في بيع السمك كان على الباعة المتجولين الذين أبعدهم التهجير، ومن بقي في المنطقة من سكان أحجموا عن زيارة أسواق السمك. والموسم السياحي في الجنوب كان محدودًا أصلًا بسبب الحرب، فتوجهت قنوات بيع السمك بالتالي باتجاه الشمال بسبب عدم تحمل السوق الجنوبي العرض وقلة الطلب، وهكذا انخفض أسعار السمك بشكل عام في كل البلد. لغاية توسع الحرب في 23 أيلول/سبتمبر. منذ هذا التاريخ أصبحنا جميعنا كصيادين من ميناء الصرفند وميناء صور والناقورة عاطلين عن الصيد بعد التحذير المباشر للصيادين بالخروج من الموانىء".
"خسرنا كثيرًا بسبب الحرب" يقول علي ويتكلم عن تعطل أنظمة GPS، وبسبب ذلك فقدوا شباكهم والأقفاص التي يضعونها في البحر للصيد، وأضاعوا المواقع التي تتواجد فيها الأسماك، ويضيف أنهم خسروا شبكًا جديدًا كان قد كلف 15 ألف دولار، وحتى جرى استهداف المستودع الذي يضعون فيه عدة الصيد من قوارير أوكسجين الغطس والأوكسيجين.
ما يزيد من الخسائر المادية إهمال المراكب في الموانئ وعدم القدرة على الوصول إليها ما يعرضها لاحتمال الغرق، ويقول علي أنه كان يخاطر بحياته لزيارة ميناء الصرفند لتفقد مراكبه وإزالة المياه منها، وما أثار مخاوفه حينها هو قدوم فصل الشتاء والعواصف والأمواج العاتية التي تزيد من احتمالية غرق المراكب.
يضيف علي أن أغلب صيادي الصرفند قد نزحوا بعد التصعيد، فيما القليل الباقي منهم بقي من أجل الاهتمام بمركبه رغم المخاطر التي تحيط بهذا قرار، وهنالك صيادين يحاولون الاصطياد، ويبيعون لجيرانهم الصامدين بأسعار زهيدة جدًا، "سعر سمك البوري للكيلوغرام الواحد خارج الجنوب 500 ألف ليرة، فيما كان يباع في الجنوب خلال تلك الفترة بسعر 200 ألف ليرة".
نزح علي مضطرًا مع عائلته في الرابية، شمال بيروت، وهو بعيد عن البحر، بعد أن كان البحر حياته كما يعبر عن ذلك: "عملك في البحر، وأغلب أقربائك مع رفاقك في البحر".
ذهب علي أحيانًا علي مع والده الصياد، إلى ميناء ضبية كي يشاهدوا البحر والصيادين ويتحدثوا معهم، التقوا هناك بأصدقاء زملاء يعرفونهم منذ زمن، كي يتحدثوا عن البحر ومغامراته والصيد، وكل تلك القصص والشغف الذين حرموا منها، والرحلات الليلة والصباحية إلى عمق البحر، حرم علي ووالده وغيرهم من الصيادين في الجنوب من مهنتهم وقوت يومهم بسبب الحرب، وهم بعيدون عن شاطئهم الجنوبي، أنفقوا من مدخراتهم، لكي يستطيعون الاستمرار بالعيش، من دون أفق واضح، حول متى سيعود البحر، ليفتح شاطئه أمام صياديه كعلي وغيره.